اسليدرالأدب و الأدباءمقالات واراء

موضع قبر أمير المؤمنين في النجف الأشرف

احجز مساحتك الاعلانية

بقلم / مجاهد منعثر منشد

توهم المؤرخون في موضع قبر أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام , فنقل ابن كثير في البداية والنهاية عن ما حكاه الخطيبُ البغداديُ بأن القبر ليس لأمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام ,بل للمغيرة بن شعبة.
والخطيب البغدادي أخذ عن الواقدي . وأخرجه ابن الجوزي.

وتلخيص ما نقله ابن كثير عن موضع الدفن أما قبلي المسجد الجامع بالكوفة , ثم ذكر رأي الواقدي دفنه بدار الامارة(1).

وكما نلاحظ بأن القول نقلا ورأيا دون تحقيق وسند روائي نقل عن رواة من الثقات , فما هو الدليل على هذا القول؟

إنّ الخطيب البغدادي من مؤرخي القرن الثامن الهجري وبينه وبين تاريخ الدفن ثمانية قرون أي ما يقارب أربع وعشرين جيلا تقريبا , وفي عصره كان النجف الأشرف يزهو بالعلم والعلماء , فمن الأعرف بموضع الدفن أهل بيت المتوفى الذين أوصاهم بدفنه وخاصته وأتباعه أو مؤرخ جاء بعد ثمانية قرون يدلي برأيه دون دليل ؟

ونعتقد بأن المؤرخ توصل بالاستنتاج المشار إليه بسبب سكن الإمام عليه السلام المجاور لدار الأمارة , وإلا أين الشهود الذين وقفوا على الدفن ؟

إلى هنا علمنا بأن هذا القول لمؤرخ في القرن الثامن وليس لضال تافهة يدعي اكتشافه لنفسه في الوقت المعاصر!

أما المؤرخون الذين نصت أقوالهم على موضع الدفن الحالي في النجف الأشرف فهم :
ابن الطقطقي الذي قال : أما مدفن أمير المؤمنين (عليه السلام) فإنه دفن ليلا في الغري، ثمّ عفي قبره إلى أن ظهر حيث مشهده الآن(2).
و ابن الأثير يقول: والأصح أنّ قبره هو الموضع الذي يزار ويتبرك به(3).

فأيده أبي الفداء الذي يقول :والأصح الذي ارتضاه ابن الأثير وغيره أن قبره هو المشهور بالنجف وهو الذي يزار اليوم(4 ).
وابن الوردي قائلا :والأصح الذي ارتضاه ابن الأثير وغيره انّه بالنجف(5).

وكان القبر طيلة النصف الأخير من القرن الأول الهجري إلى منتصف القرن الثاني الهجري مخفيا عن الانظار ماعدا الخواص .

لقد أخفى الإمامان الحسن والحسين قبر أبيهما (عليهم السلام)منذ يوم شهادته في 21 رمضان\ 40 هـ حتى عام 132 هـ الموافق 711م نهاية حكم الأمويين ,وبداية استيلاء العباسيين على حكم الاُمة الإسلامية.

أن الاخفاء جاء بأمر أمير المؤمنين عليه السلام حيث أوصى ابنه الحسن أن يحفر له أربعة قبور في أربعة مواضع: في المسجد، وفي الرحبة (قرب منزله)، وفي الغري، وفي دار جعدة بن هبيرة، وانما أراد بهذا أن لا يعلم أحد من أعدائه موضع قبره(6).

وجاءت هذه الوصية بسبب معرفة الإمام (عليه السلام ) بأن الحكم سيكون إلى الامويين ,فيذكر آل محبوبة عن الدميري في (حياة الحيوان) عند ذكر الأوز ما نصّه (وعليّ أول إمام خفي قبره، قيل أن علياً أوصى أن يخفى قبره لعلمه أن الأمر يصير إلى بني اُمية فلم يأمن أن يمثّلوا بقبره) (7).

وتحدثت مصادر التاريخ عن الحقد والعداء , فأمر معاوية بسب الإمام من على المنابر واستمر ذلك ثمانين عاما , فيقول ابن الأثير: كان بنو اُمية يسبّون أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) إلى أن ولي عمر بن عبدالعزيز الخلافة، فترك ذلك وكتب إلى العمال في الآفاق بتركه (8).

وفي عام 75 هـ 654 م عند تولي الحجّاج بن يوسف الثقفي على العراق من قبل عبدالملك بن مروان، فحفر ثلاثة الألاف قبر في النجف طلباً لجثة أمير المؤمنين عليه السلام (9).

هذا غير عداء وحقد الخوارج على الإمام !
وبهذا لا نحتاج لتفاصيل أكثر بالنسبة لوصية إخفاء القبر , فهي واضحة , لكن السؤال الذي يفرض نفسه : من أعلن عن موضع القبر ؟

ـ بعد وجود نزاع بين الحكم الاموي والعباسي في منتصف القرن الثاني الهجري ,فبعد أن احتدم الصراع بين الأمويين والعباسيين في ذلك العصر . وانشغل الخوارج فيما بينهم فرقا وأحزاب .

أعلن الإمام جعفر الصادق عليه السلام عن القبر ووصف مكانه وزاره وأوصى بزيارته وإظهاره لعامة الناس , يقول الشرقي :ـ انّ ظهور القبر كان لأول مرّة في أيام الصادق عليه السلام وبأمر منه، ففي رواية صفوان يقول: بعد أن دلّهم الإمام الصادق عليه السلام على موضع القبر الشريف، قلتُ: يا سيدي أتأذن لي أن أخبر أصحابنا من أهل الكوفة؟ قال: نعم. وأعطاني الدراهم وأصلحتُ القبر.

ثمّ عفي القبر بسبب السيول الجارفة، وبقي حتى أيام داود بن علي العباسي (ت 133هـ ـ 750م)، حيث أصلحه وعمل عليه صندوقاً، ثمّ عفي القبر الشريف مرّة ثانية حتى أيام هارون الرشيد العباسي حيث بنى القبر الشريف وشاد عليه قبة سنة( 170هـ ـ 786م) (10 ).

ومن هذه الرواية نستفيد بأن أول من أصلح القبر هو صفوان بأمر الإمام أبي عبد الله سلام الله عليه ,وأول من وضع صندوق عليه هو داود بن علي العباسي الذي كان متعاطفا مع العلويين(11 ).

وما يلاحظ كان إعلان الإمام الصادق عن القبر في سنة 132هـ , وفي سنة 180هـ خرج هارون الرشيد ليلا إلى القبر الشريف، ومعه علي بن عيسى الهاشمي، وأبعد أصحابه عنه، وقام يصلّي عند الكثيب ويبكي ويقول: واللّه يا بن عم أني لأعرف حقك، ولا أنكر فضلك، ولكن ولدك يخرجون عليّ ويقصدون قتلي وسلب ملكي، وأستمر على تكل الحالة إلى أن قرب الفجر، فصلّى صلاة الصبح عند القبر، وأمر فبني عليه قبّة وأخذ الناس في زيارته ودفن موتاهم حوله(12 ).

وبالنسبة لبناء القبة من هارون الرشيد العباسي كان في العام المذكور (13).

وللمزيد من التفاصيل سواء في وصف مكان القبر أو لروايات وأحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن مكان مدفن أخيه ووصيه وفضل دفن موتى المسلمين حول قبره الشريف ممكن مراجعة بحثنا الحركات السياسية والقاعدة العلمية في الكوفة المنشور على الشبكة العنكبوتية .

المصادر
1.ابن كثير ,عماد الدين ابي الفداء اسماعيل ابن عمر القرشي الدمشقي (ت 774هـ ) ,البداية والنهاية ,تحقيق د.عبد الله بن عبد المحسن التركي , دار هجر ,مصر ,الطبعة الاولى ,سنة 1418هـ ـ 1998م , ج11 ص 20ـ21.
2.ابن الطقطقي، الفخري ص 90.
3.ابن الأثير, الكامل في التاريخ , ج3 ص 261.
4.أبو الفداء, المختصر، ج1 ص 93.
5.ابن الوردي, تتمة المختصر، ج1 ص 249.
6.إبن طاووس .فرحة الغري , ص 32.
7.ماضي النجف وحاضرها، ج1، ص 37.
8.الكامل في التاريخ، دار الكتاب العربي بيروت, ص 154.
9.ماضي النجف وحاضرها, ج1 ص 39.
10.الشرقي، طالب, النجف الأشرف… عاداتها… تاريخها، ص 18، نقلا عن الفضلي، عبد الهادي: دليل النجف الأشرف، ص 23.
11.راجع محمّد بن الحسن الشهير بالديلمي في عمدة الطالب, والسيد ابن طاووس في فرحة الغري
12.ابن طاوس, فرحة الغري، ص 119. محبوبة: ج1 ص 41, دخيل: نجفيات، ص: 20.
13.محمّد جواد الفقيه, موسعة النجف الأشرف ج6 ص 35.

رئيس التحرير

المشرف العام على موقع العالم الحر

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى